قال تعالى في محكم كتابه العزيز الحكيم -
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10
ونحن نعلم أن هذا الأسلوب في لغة العرب ، أسلوب حصر وقصر - أي المؤمنون إذا كانوا كاملي الإيمان لا يكونون إلا أخوه والأخوة لا تكون في هذا المورد إلا من مؤمنين صادقين في إيمانهم - فمقتضى الإيمان ؛ أخوه صادقة ، وحقيقة الأخوة الصادقة مستمدة من الإيمان ، فليس الأمر شيئاً عارضاً - كما أشرت - وهذا رسول الهدى - صلى الله عليه واله وسلم - يقول في نص صريح واضح بيّن: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) فليس من صفات المؤمن أن يحب لأخيه المكروه ولا من صفات المؤمن أن يتربص لأخيه حتى يشهر به أو أن يستصغره ويحتقره ويحسب زلاته ويستهزئ به مثلا بل المفروض وهو الصحيح أن المؤمن مرآة المؤمن وكلنا يعلم ما فائدة المرآة المادية لمن يريد أن يطالع شخصه فيها .
فكذلك المؤمن بالنسبة لأخيه المؤمن فهو الناصح له والمرشد والموجه والملاحظ وأيضا من صفات المؤمن أن يكون ساتراً لأخيه لا فاضحا له.
وفي حالة صدور الخطاء منه فعليه أن يحمله على خير وكما ورد من الأحاديث (احمل أخاك المؤمن على سبعين محمل فان لم تجد له محمل فاحمله على محمل) .
كما إن خفقة القلب، وميل النفس والمشاعر ، والأحاسيس عند المؤمنين ، لا تخضع للأهواء ، ولا تخضع للأمزجة ، ولا تخضع للمصالح ، بل هي مستمدة ومرتبطة بالإيمان ، والإسلام جعل الأخوة الإسلامية أقوى عندما ربطها بالإيمان ، وعندما ربطها بالتوحيد والإيمان ، وعندما جعلها قرينة ووجهاً لعملة واحدة مع الإيمان ، ليخرج أولئك النفر الذين بدأ الرسول صلى الله عليه واله - بهم بعد أن قطعوا أواصرهم ، إلى أواصر أقوى ، وإلى أواصر أرقى ، ، لأنها تسمو على كل المعاني الأرضية ، فلا تتعلق بعرق ، ولا ترتبط بجنس ، ولا تستند إلى لغة ، ولا ترتبط بتراب من الأرض ، أو قطعة منها ، ولا إلى هوية يحملها المرء يوماً ويتركها يوماً آخر ، عندما جعلها ترتبط بالله - سبحانه وتعالى - فتكون أخوة في الله ، وتكون محبة في الله ، وتكون نصرة لله ... ذلك يدل على أنها أرقى من كل ذلك ، فهي لا تقتصر على لغة دون لغة ، بل تجمع عربي وأعجمي ، ولا تقتصر بجهة دون جهة ، بل تربط شرقياً وغربياً ،ولا تتصل بمرتبة دون مرتبة ، فتجمع بين عالم ومتعلم ، ولا تقتصر على أي تفريق يفرق به الناس بين بعضهم في هذه الحياة الدنيا ، ومن هنا ربطها الله - سبحانه وتعالى - ورسوله - صلى الله عليه واله- بمزيدٍ من الأجر ، وعظيمٍ من الثواب حتى تتعلق بها القلوب ؛ وحتى تدرك أن لها مكانة سامية رفيعة ، وحتى تبرز أنها عند الله - عز وجل - بالمكان الذي يتعلق به العبد المؤمن المخلص لربه - سبحانه وتعالى- . عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال : ( المتحابون في جلال الله على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم الأنبياء والشهداء)
إنها منزلة رفيعة عالية ، إنها مكانة سامية شامخة ، إنها أمر يسمو فوق كل الأمور الدنيوية العارضة ، إنها التي جمعت بين سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وبقية الصحابة النجباء- رضوان الله عليهم - كلهم ذابت بينهم الفوارق ، وتلاشت بينهم الاختلافات ، ولم يعد بينهم شيءٌ يميّزهم إلا الشعار القرآني الرباني : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) كذلك أخبر المصطفى - صلى الله عليه واله سلم – بقوله
: (لا فرق بين عربي ، ولا أعجمي ، ولا أسود ، ولا أحمر إلا بالتقوى ، كلكم لآدم وآدم من تراب)
ً.
والقرآن يذكر أن الألفة بين القلوب ، وأن الرابطة بين القلوب ، ليست صوراً ولا أشكالاً ، ولا مظاهر ، ولا مفاخر ، وإنما حقائق في أعماق القلوب ، وأغوار النفوس ، إنه الإيمان المُستكن في القلب ، واليقين الراسخ في النفس ، إنها المشاعر الصادقة الخالصة لله سبحانه وتعالى.
وجعلها أقوى وأرقى ، ثم جعلها أبقى ، تدوم ما دامت السماوات والأرض ، تمتد آفاقاً وآماداً طويلة من الزمن ، وتنتهي بعد الحياة الدنيا إلى الآخرة : (الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين )
وفي الختام نسال الله - عز وجل - أن يديم أخوتنا فيه ، وأن يجمع بين قلوبنا بآصرة الإيمان وأن يوحد بين صفوفنا بوحدة الإسلام .
بحق محمد وآل محمد اللهم صل على محمد وآل محمد وصحبه الاخيار المنتجبين .